الباب السابع
في أن القرآن متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، وقد تقدم أن جِماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شفاء للنوعين:
ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يُبيِّن الحق من الباطل، فتزول أمراض الشُّبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه، وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية -من التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد، والنبوّات، ورد النِّحَل الباطلة والآراء الفاسدة- مثل القرآن؛ فإنه كفيل بذلك كله، متضمن له على أتمّ الوجوه وأحسنها، وأقربها إلى العقول، وأفصحها بيانًا، فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه.
فمن رزقه الله ذلك أبصر الحق والباطل عِيانًا بقلبه، كما يرى الليل والنهار، وعلم أن ما عداه من كتب الناس وآرائهم ومعقولاتهم: بين علوم لا ثقةَ بها، وإنما هي آراء وتقليد، وبين (?) ظنون كاذبة لا تُغني من الحق شيئًا،