فصل
ولا يُسْتبعدُ اصطلاح كافة هذه الأمة على المحال، واتفاقهم على أنواع من الضلال:
فإن الدولة إذا انقرضت عن أمة باستيلاء غيرها عليها، وأخذها بلادها انطمست معالم دينها، واندرست آثارها.
فإن الدولة إنما يكون زوا لها بتتابع الغارات والمصافّات، وإخراب البلاد وإحراقها، ولا تزال هذه الأمور متواترة عليها إلى أن يعود علومها جهلاً، وعِزها ذُلًّا، وكثرتها قلة، وكلما كانت الأمة أقدم، واختلفت عليها الدول المتناولة لها بالذُلّ والصّغار، كان حَظّها من اندراس معالم دينها وآثارها أوفر.
وهذه الأمة أوفر الأمم حظًّا من هذا الأمر، لأنها من أقدم الأمم، ولكثرة الأمم التي استولت عليها: من الكشدانيين، والكلْدانيين، والبابليين، والفرس، واليونان، والنصارى، وآخر ذلك المسلمون.
وما من هذه الأمم إلا من طلب استئصالهم، وبالغ في إحراق بلادهم وكتبهم، وقطع آثارهم، إلا المسلمين، فإنهم أعدل الأمم فيهم وفي غيرهم، حفظًا لوصية الله لهم، حيث يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
وصادف الإسلام هذه الأمة تحت ذِمّة الفُرس، وذمة النصارى، بحيث لم يَبْقَ [177 أ] لهم مدينة ولا جيش.