فأقسم سبحانه بالدهر - الذي هو زمن الأعمال الرابحة والخاسرة - على أن كل أحد في خُسر؛ إلا من كمّل قُوَّته العلمية بالإيمان بالله، وقوَّته العملية بالعمل بطاعته، فهذا كماله في نفسه، ثم كمّل غيره بوصيته له بذلك، وأمْرِهِ إياه به، وبملاك ذلك وهو الصج، فكمُل في نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وكفل غيره بتعليمه إياه ذلك، ووصيته له بالصبر عليه، ولهذا قال الشافعي: "لو فكر الناس في سورة {وَالْعَصْرِ} لكفتهم" (?).
وهذا المعنى في القرآن في مواضع كثيرة، يخبر سبحانه أن أهل السعادة هم الذين عرفوا الحق واتبعوه، وأن أهل الشقاوة هم الذين جهلوا الحق وضلوا عنه، أو خالفوه واتبعوا غيره.
وينبغي أن يُعرف أن هاتين القوَّتين لا تتعطلان من القلب، بل إن استعمل قوّته العلمية في معرفة الحق وإدراكه؛ وإلا استعملها بمعرفة ما يليق به ويناسبه من الباطل، وإن استعمل قوته الإرادية العملية في العمل به؛ وإلا استعملها في ضده، فالإنسان حارث هَمّام بالطبع، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أصدق الأسماء حارث وهمّام" (?)، فالحارث: الكاسب العامل، والهمّام: