الصورة الثالثة: أن لا يقصد أمرًا بعينه، ولكنَّ الغضب حمله على ذلك، وغيَّر عقلَه، ومنعه كمال التصوُّر والقصد، فكان بمنزلة الذي فيه نوعٌ من السُّكرِ والجنون. فليس هو غائب العقل بحيث لا يفْهَمُ ما يقولُ بالكلية، ولا هو حاضر العقل بحيث يكون قصده معتبرًا، فهذا لا يقع به الطلاق أيضًا، كما لا يقع بالمُبَرْسَمِ والمجنون. يوضِّحه:
الوجه الرابع عشر: أن المجنون، والمُبَرْسَم، والموسوِس، والهاجِر، قد يشعرُ أحدهم بما قاله ويستحي منه، وكذلك السكران. ولهذا لم يشترط أكثر الفقهاء في كونه سكرانَ أن يعدم تمييزه بالكلية، بل قد قال الإمام أحمد وغيره: إنه الذي يخلط في كلامه، ولا يعرف رداءه في رداء غيره، وفعله من فعل غيره (?).
والسنهُ الصريحة الصحيحة تدلُّ عليه، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يُسْتَنْكَهَ من أقَرَّ بالزنا (?)، مع أنه حاضرُ العقل والذهن، يتكلَّمُ بكلامٍ مفهومٍ ومنتظمٍ، صحيحُ الحركة، ومع هذا فجوَّز النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يكون به سُكْرٌ يَحُولُ بينه وبين كمال عقله وعلمه، فأمر باستنكاهه (?).