قيل: لا كلام في الغضبان العالِم بما يقول، القاصدِ المختارِ لِحُكْمِه دفعًا لمكروه البقاء مع الزوجة، وإنما الكلامُ في الذي أشتد غصْبه حتى ألجأه الشيطان إلى التكلُّم بما لم يكن مختارًا للتكلُّم به، كما يُلْجِئه إلى فِعل مالم يكن لولا الغضبُ يفعله. يوضِّحه:
الوجه الثاني: وهو أنَّ الإرادة فيه هو محمولٌ عليها، مُلْجَأٌ إليها، كالمُكرَهِ، بل المُكْرَهُ أحسنُ حالًا منه؛ فإن له قصدًا وإرادة حقيقةً، لكنْ هو محمولٌ عليه، وهذا ليس له قصدٌ في الحقيقة، فإذا لم يَقَع طلاقُ المكرَهِ فَطلاقُ هذا أولى بعدم الوقوع. يوضِّحه:
الوجه الثالث: وهو أن الأمر الحامل للمُكْرَه على التكلُّمِ بالطلاق يُشْبِهُ الحامل للغضبان على التكلُّم به؛ فإن المتكلِّم مُكْرَهًا إنما يقصدَ الاستراحة من توقُّع ما أُكْرِه به إن لم يُباشَرْ به، أو من حصوله إن كان قد باشره شيءٌ منه (?)، فيتكلم بالطلاق قاصدًا لراحته مِنْ أَلَمِ ما أُكْرِه به.
وهكذا الغضبان، فإنه إذا اشتد به الغضب يَأْلَم بِحَمْلِه، فيقول ما يقول، ويفعل ما يفعل، ليدفع عن نفسه حرارة الَغضب، فيستريح بذلك، وكذلك يلطم وجهه، ويصيح صياحًا قويًّا، ويشق ثيابه, ويُلْقِي ما في يده؛ دفعًا لألم الغضب, وإلقاءً لِحِمْلِه عنه، وكذلك يدعو على نفسه وأحبِّ الناس إليه، فهو يتكلم بصيغة الطلب والاستدعاء والدعاءِ وهو غيرُ طالبٍ لذلك في الحقيقة، فكذلك يتكلم بصيغة الإنشاء وهو