فصل
الوجهُ الثاني من دَلالةِ الكتاب: قولهُ سبحانه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)} [يونس: 11].
وفي تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم: "اللهم لا تبارك فيه، وَالْعَنْهُ"، فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك، كما يستجاب في الخير، لأهلكهم.
انْتَهَض الغضبُ مانعًا من انعقاد سبب الدعاء الذي تأثيره في الإجابة أسرع من تأثير الأسباب في أحكامها، فإن الله سبحانه يجيب دعاء الصبيِّ، والسفيه، والمُبَرْسَم، ومن لا يَصِحُّ طلاقُه ولا عُقوده، فإذا كان الغضب قد منع كون الدعاء سببًا، لأنَّ الغضبان لم يَقصِدْهُ بقلبه، فإنَّ عاقلًا لا يختار إهلاك نفسه وأهله وذهاب ماله وقَطعَ يده ورجله وغير ذلك بما يدعو به، فاقتضت رحمة العزيز العليم أنْ لا يؤأخذَه بذلك، ولا يُجيب دعاءَه! لأنه عن غيرِ قصدٍ منه، بل الحاملُ له عليه الغضب الذي هو من الشيطان.
فإن قيل: إن هذا ينتقض عليكم بالحديث الذي رواه أبو داود (?)