"احدها" إن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه ويعلم ما يقول وما يقصده فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده ولا سيما إذا وقع منه ذلك بعد تردده فكره "القسم الثاني" أن يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة فلا يعلم ما يقول ولا يريده فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه كما تقدم والغضب غول العقل فإذا اغتال الغضب عقله حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب انه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة فإن أقوال المكلف إنما مع علم القائل بصدورها منه ومعناها وإرادته للتكلم بها. "فالأول" يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران وهذا الغضبان "والثاني" يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة فإنه لا يلزم مقتضاه "والثالث" يخرج من تكلم به مكرها وان كان عالما بمعناه. "القسم الثالث" من توسط في الغضب بين المرتبتين فتعدى مبادئه ولم ينته إلى أخره بحيث صار كالمجنون فهذا موضع الخلاف ومحل النظر والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا وهو فرع من الاغلاق كما فسره به الأئمة وقد ذكرنا دلالة الكتاب على ذلك من وجوه.
"وأما دلالة السنة" فمن وجوه "أحدهما" حديث عائشة وقد تقدم ذكر وجه دلالته.
"الثاني" ما رواه احمد والحاكم في مستدركه من حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين".