وكان يحب الفقراء والصالحين، ويتودد إليهم ويقضي حوائجهم، وعمّر العمائر المليحة الغريبة العجيبة، ولم أر أحداً حاز مثل ذهنه في العمائر واستعمال الصنّاع والصبر على ما عندهم من المكاسرة والمدافعة.

وقلت أنا أرثيه، رحمه الله تعالى:

مات يحيى فكيف يحيا اللبيبُ ... وبه كانت الحياة تطيبُ

لم يمت إنما الرئاسة ماتت ... والمعاني تخرّمتها شعوب

كان للناس والأنام جمالاً ... فهو للبدر في التمام نسيب

كان والله كاملاً في المعاني ... وحماه للمعتفين رحيب

كان في جوده فريداً فأما ... إن ذكرت الوفا فأمرٌ عجيب

يملأ العين شكله وتسرَّ النف ... س أوصافه فما تستريب

ورئيس إن قلت فيه رئيس ... ما له في الأنام قطّ ضريب

خُلق كالنسيم إن مرّ وَهْناً ... في خلال الأزهار وهو رطيب

ومحيّاً لو أن بدراً رآه ... لاعتراه بعد الطلوع مغيب

وحياء كأنه إذ يُحيّا ... عند ردّ السلام منك مُريب

واحتمال لكل ضيم عظيم ... حيث رأس الوليد منه يشيب

وإذا نال حظوةً من مليك ... فلكل الأصحاب منه نصيب

هو في منصب يسامي الثريّا ... ونداه من المنادي قريب

لم يشنْ لفظه بغيبة شخص ... يحضر الشخص عنده أم يغيب

من سراةٍ إن سار عنهم ثناءٌ ... مادَ منه غصنٌ وماج كثيبُ

إن مخزوم في قريش لريحا ... نٌ شذاه يوم الفخار يطيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015