وعلى هذا فالنار، كما يصورها القرآن، ليست هاوية من عذاب مقيم يسلطه إله منتقم. بل هي تجربة للتقويم، قد تجعل النفس القاسية المتحجرة تحس مرة أخرى بنفحات حية من رضوان الله. وليست الجنة كذلك إجازة أو عطلة.
فالحياة واحدة ومتصلة، والإنسان يسير دائمًا قدمًا، فيتلقى على الدوام نورًا جديدًا من الحق غير المتناهي الذي هو {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29].
ومن يتلقى نور الهداية الإلهية ليس متلقيًا سلبيًّا فحسب؛ لأن كل فعل لنفس حرة، يخلق موقفًا جديدًا، وبذلك يتيح فرصًا جديدة تتجلى فيها قدرته على الإيجاد" (?).
- لقد جانب إقبال الحقيقة الدينية المتعارف عليها في البعث والخلود في بعض الجزئيات، فهو مثلاً قد جعل من البعث فترة "لجرد البضائع"، وجعل الدار الآخرة موصولة بالدار الدنيا في حياة الإنسان، وأنه يمكن للمرء بعد موته أن يواصل عمله لمزيد من استكمال نموه النفسي وكماله الروحي، وهذا ما لا يقرّ به الإسلام الذي يرى الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وهي وحدها دار فرصة للعمل، وبموت الإنسان ينقطع عمله. والآخرة دار قرار وسكون وانقطاع عن العمل وجزاء عما قدّم الإنسان في الحياة الدنيا (?).
قد أخطأ إقبال في تفسيره لقضية البعث والخلود خطأين أساسيين:
أولاً: أنه رأى أن الجنة والنار حالتان لا مكانان، ووصفهما في القرآن تصوير حسي لأمر نفساني أو لصفة أو حال. وذلك رأي يعارض ما جاء به الكتاب والسنة. فإن الجنة والجحيم مكانان محسوسان، وليسا نفسيين