وكتب رحمه الله عن أحد الناس يستعطف أحد أهل الدنيا: أما بعد، أدام الله مدّة الشيخ أبي فلان، وأبقاه عمادا وجنّة ونصرة، وعاطفا على من استجار به من ساعة العسرة. ولا زال منتصرا للمظلوم، دافعا في صدر الظّلوم، راعيا حقّ الأدب الذي أضاعه الزّمان وأهمله، منتهضا منه ما قعد به الدّهر فأخمله، فإنّما يرجى للعظيمة العظيم، ويدّخر للشّدائد من حقّه التّوقير والتّعظيم، وإلى الله يلجأ اللهفان، وبسفينة نوح يستجير من يكنفه الطّوفان. وأنا بالله ثمّ بك من زمان عطّل أدبي، وأردت أن أقوم به فأقعد بي (?). وكلّما أشرت إلى أن أبرأ، نهب، وإن جنحت إلى أن أخمد، ألهب، وأنشد وقد جاء بالتّعنيف (?) وذهب:
الضّبّ والنّون قد يرجى اتّفاقهما ... وليس يرجى التقاء اللّبّ والذّهب
فبقيت لا أدري هل انطباعي قصّر من طباعي، أم براعتي أخملت يراعتي، أم فصاحتي عمّرت بالخمول ساحتي، أم سحر أدبي إلى الهوان أدّى بي، أم إطنابي قصّر أطنابي. كما لا شكّ أنّ إشعاري جعلت اتّصال أشعاري، ورسائلي قطعت وسائلي، وشوارد أمثالي أبت أن يسود أمثالي. فهلاّ بناني عناني، ولم تكن مذهّباتي مذهباتي، وخطابي للغير خطابي. أستغفر الله لا أشكو ولا أدع، رغم أنف الأشمّ وشموخ الأجدع. فأقسم بمآثرك الّتي خلّدتها حجولا للزّمان وغررا، ونسّقتها في جيد الوجود دررا، ثمينا في غير إغلاق، لولا أنّ الله تعالى يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ}، لوأدت بنات فكري بغير ذنب، ونفضت يدي من الأدب (?) عن الصّاحب بالجنب، وبرئت من الأدب وأربابه، وأتيت الزّمان من بابه. ولكن بقي أعزّك الله في هذه الفضيلة فضلك، وهذا الهدف سيقرطسه إن شاء الله نصلك. وها أنا قد وقفت بين يدي علاك أخاصم دهري، وأباحثه لأيّة علّة فتق كمائم الخمول عن زهري، أم كان أراد أن لا يجمع بي الحسنيين، ولا يطابق في المنظر والمخبر بين