والوجه التاسع عشر: من إعجازه عجز الأمم عن معارضته وقد تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فلم تخرجهم أنفة التحدي وصبروا على نغص العجز مع شدة حميتهم وقوة أنفتهم وقد سفه أحلامهم وسب أصنامهم ولو وجدوا إلى المعارضة سبيلا وكان في مقدورهم داخلا، وقد جعله حجة لهم في رد رسالته لعارضوه ولما عدلوا عنه إلى بذل نفوسهم في قتاله وسفك دمائهم في محاربته.
فإن قيل: فليس يمتنع أن يكونوا قد عارضوه بمثله فكتم كما كتم ما هجي به من الأشعار وقرف به من العار، فعنه جوابان:
أحدهما: أنهم لو عارضوه لظهر ولو ظهر لانتشر لأن تكاتم الاستفاضة لا تستطاع لما في الطباع من الإذاعة وفي نفثات الصدور من الإشاعة ولقيل قد عورض فكتم كما قيل هجي فكتم، ولو جاز هذا في معارضة القرآن لجاز مثله في معجزة كل نبي أن يقال قد عورض معجزة فكتم فيفضي إلى إبطال كل معجز، وهذا مدفوع في معارضة غير القرآن فكان مدفوعا في معارضة القرآن.
والثاني: أنه قد جعل معارضته حجة لهم في رد رسالته فلو عارضوه لاحتجوا عليه بالمعارضة ولما احتاجوا معه إلى القتال والمحاربة مع بذل النفوس واستهلاك الأموال ولدفعوه بالأهون دون الأصعب وقد نقل ما عورض به فظهر فيه العجز وبان فيه النقص حتى فضحته ركاكة لفظه وسخافة نظمه.
فحكى ابن قتيبة عن مسيلمة أنه قال في معارضة القرآن: يا ضفدع نقي، كم تنقين، لا الماء تكدرين ولا الشراب تمنعين، فلما سمع هذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه قال: إن هذا الكلام لم يخرج من إل (?) .
وحكي عن غيره وأحسبه العنسي أنه قال: ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى أخرج من بطنها نسمة تسعى من بين شراسيف وحشى.