الباب السادس في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
الكلام في إثبات نبوته يتقرر مع المعترفين ببعثة الرسل لأن منكريها يعمون الجميع بها ويدفعون كل مدع لها والكلام معهم قد قدمناه في إثبات النبوات على العموم.
فأما نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد اختلف فيها مخالفوه من مثبتي النبوات على أقوال شتى فمنعت اليهود من نبوته لامتناعهم من نسخ الشرع واختلفوا في المانع من نسخة فمنع منه بعضهم بالعقل لأن نهى الله تعالى عما أمر به وأمره بما نهى عنه إنما يكون لخفاء المصلحة عليه في الابتداء وظهورها له في الانتهاء والله تعالى عالم بها في الحالتين لتباين الضدين، ومنع منه بعضهم بالشرع وإن جوزوه في العقل بما نقلوه عن موسى عليه السلام وذكروه في التوراة أنه قال تمسكوا بالسبت أبدا سنة الدهر وكلا الوجهين فاسد من وجهين:
أحدهما: أن العقل لا يمنع من الأمر بالشيء في زمان والنهي عنه في غيره بحسب المصلحة في قول من اعتبرها أو بالإرادة في قول من اعتمدها، ولا يكون مستقبحا من فعل حكيم كما يغني من أفقر ويفقر من أغنى إما للمصلحة أو بالإرادة، ولا يكون ذلك منه لاستبهام المصلحة وأشكال الإرادة.
والثاني: أن موسى قد نسخ شرع من تقدمه لأن آدم زوج بنيه بناته وجوّز يعقوب الجمع بين الأختين ونكح إبراهيم بنت أخيه وكل هذا عند موسى منسوخ