شيء معه، فحين طالت وحدته فكّر فتولّد من فكرته اهرمن وهو إبليس فلما مثل بين عينيه أراد قتله وامتنع منه فلما رأى امتناعه وادعه إلى مدته وسالمه إلى غايته ومن قال بهذا في الله تعالى ولم يعرفه لم يجز أن يكون رسولا له، ثم دعوا إلى القبائح والأفعال السيئة كما شرع زرادشت الوضوء بالبول وغشيان الأمهات وعبادة النيران وكذلك بولس وماني فخذلهم الله تعالى، ولو دعوا إلى محاسن الأخلاق كانت الشبهة بهم أقوى والاغترار بهم أكثر ولكن الله تعالى عصم بالعقول من استرشدها وقاد إلى الحق من أيقظه بها.
ولا يجوز أن يظهر الله تعالى المعجز مما يجعله دليلا على صدقه في غير النبوة وإن كان فيه مطيعا لأن النبوّة لا يوصل إلى صدقه فيها إلّا بالمعجز لأنه مغيب لا يعلم إلّا منه فاضطر إلى الإعجاز في صدقه وغير النبوّة من أقواله وأفعاله قد يعلم صدقه فيها بالعيان والمشاهدة وتخرج عن صورة الإعجاز وإن نفدت ولئلا تشتبه معجزات الأنبياء بغيرها، وأما مدعي الربوبية إذا أظهر آيات باهرة فقد ذهب قوم إلى أنها قد تكون معجزة بطلت بكذبه فلم يمتنع لظهور بطلانها أن توجد منه وإن لم توجد منه إذا كان كاذبا في ادعاء النبوّة لأنه لم يقترن بدعواه ما يبطلها كمدعي الربوبية والذي عليه قول الجمهور أنه لا يجوز أن يظهر المعجز على مدعي الربوبية كما لا يجوز أن يظهر على مدعي النبوّة لأن معصيته في ادعاء الربوبية أغلظ وأفكه فيها أعظم فكان بأن لا تظهر عليه أجدر، وإذا استوضح ما أظهره مدعي الربوبية من الآيات ظهر فسادها وبان اختلالها فخرجت عن الإعجاز إلى سحر أو شعبذة.
ولما علم الله تعالى أن أكثر عباده لا يشهدون حجج رسله ولا يحضرون آيات أنبيائه إما لبعد الدار أو لتعاقب الأعصار طبع كل فريق على الأخبار بما عاين فيعلمه الغائب من الحاضر ويعرفه المتأخر من المعاصر وقد علم مع اختلاف الهمم أن خبر التواتر إذا انتفت عنه الريب حق لا يعترضه شك وصدق