بعثة الرسل، وذهب آخرون منهم إلى أن العلة في إبطال النبوّات أن بعثة الرسل إلى من يعلم من حاله أنهم لا يقبلون منهم ما بلّغوه إليهم عبث يمنع من حكمة الله تعالى وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه ليس بعبث أن يكون فيهم من لا يقبله كما لم يكن فيما نصبه الله تعالى من دلائل العقول على توحيده عبثا وإن كان منهم من لا يستدل به على توحيده كذلك بعثة الرسل.
والثاني: أن وجود من يقبله فيهم على هذا التعليل يوجب بعثة الرسل وهم يمنعون من إرسالهم إلى من يقبل ومن لا يقبل فبطل هذا التعليل، وقال آخرون منهم: بل العلة فيه أن ما جاء به الرسل مختلف ينقض بعضه بعضا، ونسخ المتأخر ما شرعه المتقدم. وقضايا العقول لا تتناقض فلم يرتفع بما يختلف ويتناقض وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن ما جاء به الرسل ضربان:
أحدهما: ما لا يجوز أن يكون إلّا على وجه واحد وهو التوحيد وصفات الرب والمربوب، فلم يختلفوا فيه وأقوالهم متناصرة عليه.
والضرب الثاني: ما يجوز أن يكون من العبادات على وجه ويجوز أن يكون على خلافه ويجوز أن يكون في وقت ولا يجوز أن يكون في غيره وهذا النوع هو الذي اختلفت فيه الرسل لاختلاف أوقاتهم إما بحسب الأصلح وإما بحسب الإرادة وهذا في قضايا العقول جائز.
والوجه الثاني: أن قضايا العقول قد تختلف فيها العقلاء ولا يمنع ذلك أن يكون العقل دليلا كذلك ما اختلف فيه الرسل لا يمنع أن يكون حجة.
وقال آخرون منهم: بل العلة في إبطال النبوّات أنه لا سبيل إلى العلم بصحتها لغيبها وأن ظهور ما ليس في الطباع من معجزاتهم ممتنع الطباع الدافعة لها فهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن المعجزات من فعل الله تعالى فيهم فخرجت عن حكم طباعهم.