بالنبوة كان لا يمر بشجر ولا حجر إلّا قال السلام عليك يا رسول الله فكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا فاحتمل أن يكون ذلك قبل رؤيا المنام فيكون كالهتوف (?) الخارجة عن إعلام الوحي إلى إعجاز النبوّة واحتمل أن يكون بعد الرؤيا فيكون تصديقا لها وتحقيقا لصحتها.
والمنزلة الثانية: ما ميّز به عن سائر الخلق من تقديسه عن الأرجاس (?) وتطهيره من الأدناس ليصفو فيصطفى ويخلص فيستخلص، فيكون ذلك إنذار الأمر وتنبيها على العاقبة وهو ما رواه عن عروة بن الزبير عن أبي ذر الغفاري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول نبوّته فقال: «يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببطحاء مكة، فوقع أحدهما على الأرض والآخر بين السماء والأرض. فقال أحدهما لصاحبه أهو هو قال فزنه برجل من أمته فوزنت برجل فرجحته ثم قال: زنه بعشرة فوزنت بعشرة فرجحتهم، ثم قال زنه بمائة فوزنت بمائة فرجحتهم، ثم قال زنه بألف فوزنت بألف فرجحتهم فجعلوا ينثرون على كفة الميزان فقال أحدهما للآخر لو وزنته بأمته رجحها ثم قال أحدهما لصاحبه: شق بطنه فشق بطني، ثم قال شق قلبه فشق قلبي فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم، ثم قال: اغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الملاءة، ثم دعا بالسكينة فأدخلت قلبي، ثم قال خط بطنه فخاط بطني فما هو إن وليا حتى كأنما أعاين الامر» (?) .
وروى أنس بن مالك قال: لما حان أن ينبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينام حول الكعبة وكانت قريش تنام حولها فأتاه جبريل وميكائيل، فقالا بأيهم أمرنا فقالا أمرنا بسيدهم ثم ذهبا وجاءا من القابلة وهم ثلاثة فألفوه وهو نائم فقلبوه لظهره وشقوا بطنة ثم جاءوا لماء من زمزم فغسلوا ما كان في بطنه من شك أو ضلالة