ثم أوتوا بذلك الطعام فأكلوا منه وشربوا من ذلك الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لتسألن عن نعيم هذا اليوم» ، ثم ملكوا الدنيا فرفضوها واقتنعوا بالبلاغة فيها (?) .

تواضعه صلى الله عليه وسلم للناس

والخصلة الرابعة: تواضعه للناس وهم أتباع وخفض جناحه لهم وهو مطاع يمشي في الأسواق ويجلس على التراب ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميز عنهم إلّا بإطراقه وحيائه فصار بالتواضع متميزا وبالتذلل متعززا، ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته، فقال: «خفض عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة» ، وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه، فهي غريزة فطر عليها وجبلة طبع بها لم تندر فتعدّ ولم تحصر فتحدّ.

حلمه ووقاره صلى الله عليه وسلم

والخصلة الخامسة: حلمه ووقاره عن طيش يهزّه أو خرق يستفزه، فقد كان أحلم في النفار (?) من كل حليم وأسلم في الخصام من كل سليم وقد مني بجفوة الأعراب فلم يوجد منه نادرة ولم يحفر عليه بادرة ولا حليم غيره إلّا ذو عثرة ولا وقور سواه إلّا ذو هفوة فإن الله تعالى عصمه من نزغ الهوى وطيش القدرة بهفوة أو عثرة ليكون بأمته رؤوفا وعلى الخلق عطوفا، قد تناولته قريش بكل كبيرة وقصدته بكل جريرة وهو صبور عليهم ومعرض عنهم وما تفرد بذلك سفهاؤهم دون حلمائهم ولا أراذ لهم دون عظمائهم بل تمالأ عليه الجلة والدون (?) فكلما كانوا عليه من الأمر وألح كان عنهم أعرض وأفصح حتى قهر فعفا وقدر فغفر، وقال لهم حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه: ما ظنكم بي؟ قالوا: ابن عم كريم فإن تعف فذاك الظن بك وإن تنتقم فقد أسأنا، فقال: بل أقول كما قال يوسف لأخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015