وتذعن بموافقته، وقد كان قبول منظره مستوليا على القلوب ولذلك استحكمت مصاحبته في النفوس حتى لم ينفر منه معاند ولا استوحش منه مباعد إلّا من ساقه الحسد إلى شقوته وقاده الحرمان إلى مخالفته.
والرابع: ميل النفوس إلى متابعته وانقيادها لموافقته وثباته على شدائده ومصابرته فما شذ عنه معها من أخلص ولا ند عنه فيها من تخصص، وهذه الأربعة من دواعي السعادة وقوانين الرسالة وقد تكاملت فيه فكمل لما يوازيها واستحق ما يقتضيها.
وأما الوجه الثاني: في كمال أخلاقه فيكون بست خصال:
إحداهن: رجاحة عقله وصحة وهمه وصدق فراسته، وقد دل على وفور ذلك فيه صحة رأيه وصواب تدبيره وحسن تألفه وأنه ما استفعل في مكيدة ولا استعجز في شديدة بل كان يلحظ الإعجاز في المبادىء فيكشف عيوبها ويحل خطوبها وهذا لا ينتظم إلّا بأصدق وهم وأوضح جزم.
والخصلة الثانية: ثباته في الشدائد وهو مطلوب وصبره على البأساء والضراء وهو مكروب ومحروب ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة لا يجوز في شديدة ولا يشكين لعظيمة أو كبيرة ويقدر على الخلاص أو بالشر وهو لا يزداد إلّا اشتدادا وصبرا، وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي ويهدد الصياصي وهو مع الضعيف يصابر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي.
وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد ولقد أتت علىّ