فقالت قريش: إنا لنرجوا أن يكون الله قد رضي ما أردنا، وكان البحر قد قذف سفينة على ساحل جدة لرجل من تجار الروم، وكان بمكة نجار من القبط، فهيأ لهم تسقيف الكعبة بخشب السفينة، فلما أزمعوا على هدمها قام أبو وهب بن عمير وكان خال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا شرف وقدر فأخذ حجرا من الكعبة فوثب الحجر من يده حتى عاد في موضعه، فقال: يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلّا طيبا ولا تدخلوا فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس، وتصورت قريش أن عود الحجر من يد أبي وهب إلى موضعه أن الله تعالى قد كره هدمها فهابوه.
وقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول وقام عليها وهو يقول: اللهم لا نريد إلّا الخير، ثم هدم الركنين فتربص الناس به تلك الليلة، وقال: ننتظر فإن أصيب لم تهدم وإن لم يصب هدمناها وقد رضي ما صنعنا، فأصبح الوليد من ليلته وعاد إلى عمله وتحاصت قريش الكعبة فكان شق البيت لبني عبد مناف وزهرة وما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل انضمت إليه من قريش وكان شق الحجر والحطيم لبني عبد الدار وبني عبد العزّى وبني عدي وكان ظهر الكعبة لبني جمح وبني سهم حتى انتهوا إلى الأساس فأفضوا إلى حجارة خضر قيل أنها كانت على قبر إسماعيل فضربوا المعول بين حجرين فلما تحركا انتقضت (?) مكة بأسرها فكفوا وانتهوا إلى أصل الأساس وجمعت كل قبيلة حجارة ما هدمت وبنوا حتى انتهوا إلى ركن الحجر فتنازعت القبائل فيمن يضع الحجر في موضعه من الركن فأقبلوا حتى مكثوا أربع ليال أو خمسا ثم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا فقال أبو أمية بن المغيرة وكان أمين قريش في وقته: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول رجل يدخل من باب هذا المسجد. فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا محمد وهو الأمين، فقالوا قد رضينا به، لما قد استقر في نفوسهم من فضله وأمانته، فلما وصل إليهم أخبروه، فقال: ائتوني ثوبا، فأتوه بثوب، فأخذ الحجر ووضعه فيه بيده وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب