وأما طهارة مولده فإن الله تعالى استخلص رسوله من أطيب المناكح وحماه من دنس الفواحش ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة، وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه في تأويل قول الله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (?) أي تقلبك من أصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلتك نبيا، وقد كان نور النبوة في آبائه ظاهرا.
حكي أن كاهنة بمكة يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية قرأت الكتب فمر بها عبد المطلب ومعه ابنه عبد الله يريد أن يزوجه آمنة بنت وهب فرأت نور النبوة في وجه عبد الله، فقالت: هل لك أن تغشاني وتأخذ مائة من الإبل؟
فعصمه الله تعالى من إجابتها وقال لها:
أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه
فلما تزوجت به آمنة وحملت منه برسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: هل لك فيما قلت، فلم تر ذلك النور في وجهه، فقالت له: قد كان ذلك مرة فاليوم لا، ماذا صنعت؟ فقال: زوجني أبي آمنة بنت وهب الزهرية، فقالت: قد أخذت النور الذي كان في وجهك، وأنشأت تقول:
الآن قد ضيعت ما كان ظاهرا ... عليك وفارقت الضياء المباركا
غدوت عليّ خاليا فبذلته ... لغيري هنيا فألحقن بنسائكا
ولا تحسبن اليوم أمس وليتني ... رزقت غلاما منك في مثل حالكا
وداخلها الأسف على ما فاتها والحسرة على ما تولى عنها فحسدت آمنة على ما صار لها فأنشأت تقول:
إني رأيت مخيلة نشأت ... فثلألأت كتلألؤ الفجر
ولما بها نور يضيء به ... ما حولها كإضاءة البدر