وحكى سفيان عن ليث أنهم يثابون على الإيمان بأن يجازوا على النار خلاصا منها، ثم يقال لهم: كونوا ترابا كالبهائم، فأما استراقهم للسمع فقد كانوا في الجاهلية قبل بعث الرسول يسترقونه ولذلك كانت الكهانة في الإنس لإلقاء الجن إليهم ما استرقوه من السمع في مقاعد كانت لهم يقربون فيها من السماء كما قال الله تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ (?) ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء فينقلونها إلى الكهنة فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (?) يعني بالشهب الكواكب المحرقة وبالرصد الملائكة، فأما استراقهم للسمع بعد بعث الرسول فقد اختلف فيه أهل العلم على قولين:
أحدهما: أنه زال استراقهم للسمع ولذلك زالت الكهانة.
والثاني: أن استراقهم باق بعد بعث الرسول، وكان قبل الرسول لا تأخذهم الشهب لقول الله تعالى: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (?) والذي يستمعونه أخبار الأرض دون الوحي لأن الله تعالى قد حفظ وحيه منهم لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (?) .
واختلف على هذا في أخذ الشهب لهم هل يكون قبل استراقهم للسمع أو بعده، فذهب بعض أهل العلم إلى أن الشهب تأخذهم قبل استراق السمع حتى لا يصل إليهم لانقطاع الكهانة بهم وتكون الشهب منعا عن استراقه.
وذهب آخرون منهم إلى أن الشهب تأخذهم بعد استراقه وتكون الشهب عقابا على استراقه.
وفيها: إذا أخذتهم قولان:
أحدهما: أنها تقتلهم ولذلك انقطعت الكهانة بهم.
والثاني: أنها تجرح وتحرق ولا تقتل ولذلك عادوا لاستراقه بعد الاحتراق ولولا بقاؤهم لانقطع الاسترقاق بعد الاحتراق ويكون ما يلقونه من السمع إلى