فإذا ثبت خلق الجن بما دللنا عليه من شرع ومعقول فهم مكلفون لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحداهم بالقرآن بقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (?) وقال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ (?) وفي صرفهم وجهان:
أحدهما: أنهم صرفوا عن استراق سمع السماء برجوم الشهب ولم يصرفوا عنه بعد عيسى إلا بعد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما هذا الحادث في السماء إلا لحادث في الأرض وتخيلوا به تجديد النبوة فجابوا الأرض حتى وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن مكة عامدا إلى عكاظ وهو يصلي الفجر فاستمعوا القرآن ورأوه كيف يصلي ويقتدي به أصحابه فعلموا أنه لهذا الحادث صرفوا عن استراق السمع برجوم الشهب، وهذا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
وحكى عكرمة أن السورة التي كان يقرؤها اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (?) .
والوجه الثاني: أنهم صرفوا عن بلادهم بالتوفيق هداية من الله تعالى حتى أتوا نبي الله ببطن نخلة فنزل عليه جبريل بهذه الآية وأخبره بوفود الجن وأمره بالخروج إليهم فخرج ومعه ابن مسعود حتى جاء الحجون عند شعيب أبي ذر قال ابن مسعود: فخط على خطا وقال: لا تجاوزه، ومضى إلى الحجون فانحدروا عليه أمثال الحجل حتى لم أره، فعلى الوجه الأول لم يعلم بهم حتى أتوه، وعلى الوجه الثاني أعلمه جبريل قبل إتيانهم، واختلف أهل العلم في رؤيته لهم وقراءته عليهم.
فحكي سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرهم ولم يقرأ