فأصابته ريحٌ شديدةُ البردِ جدًّا، يحرق بردُها ما يمر (?) عليه من الزرع والثمار، فأهلكت ذلك الزرعَ وأيْبسته.
واخْتُلف في الصِّر؛ فقيل: البرد الشديد، وقيل: النار، قاله ابن عباس (?). قال ابن الأنباري: وإنَّما وُصفت النار بأنها (?) صِرٌّ لِتَصْرِيتها عند الالتهاب. وقيل: الصر: الصوتُ الذي يصحبُ الريحَ من شدة هُبُوبها، فالأقوالُ الثلاثة متلازمة؛ فهو بَرْد شديد مُحْرِق بيبسه (?) للحَرْث كما تحرقه النار، وفيه صوت شديد.
وفي قوله: {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} تنبيهٌ على أن سبب إصابتها لحرثهم هو ظُلْمهُم؛ فهو الذي سَلَّط عليهم الريحَ المذكورةَ حتى أهلكتْ زرعهم وأيبسته، فظلمهم هو الريح التي أهلكتْ أعمالهم ونفقاتهم وأتلفتها، [واللَّه المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به] (?).
ومنها قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)} [الزمر: 29]، هذا مثل ضربه اللَّه [سبحانه] (?) للمشرك والموحِّدِ؛ فالمشركُ بمنزلة عبد يملكه (?) جماعةٌ متنازعون مختلفون متشاحنون، والرجل الشَّكِسُ (?): الضَّيقُ الخُلُق، فالمشرك [لمَّا كان يعبد آلهة شَتَّى شُبِّه بعبد يملكه جماعة متنافسون] (?) في خدمته، لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، والموحِّدُ لمَّا كان يعبد اللَّه وحده فمثله كمثل عبدٍ لرجلٍ