وتحت قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} كنز عظيم مَنْ وُفقَ (?) لمظنته وأحْسَنَ استخراجَه واقتناءه وأنفق منه فقد غَنِم، ومن حُرِمَه فقد حُرم، وذلك أن العبد لا يستغني عن تثبيت اللَّه له طَرْفَةَ عينٍ، فإنْ لم يثبته وإلا زالَتْ سماءُ إيمانه وأرضه عن مكانهما، وقد قال تعالى لأكرم خَلْقه عليه عبده ورسوله: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74]، وقال [تعالى لأكرم خلقه] (?): {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12]، وفي "الصحيحين" من حديث التَّجلِّي (?): قال: "وهو يسألهم ويثبِّتُهم" (?) وقال تعالى لرسوله: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120]؛ فالخلق (?) كلهم قسمان: مُوَفَّق بالتثبيت، ومَخْذُول بترك التثبيت، ومادةُ التثبيتِ أصله ومنشأه من القول الثابت وفعلِ ما أُمِرَ به العبدُ، فبهما يُثبِّتُ اللَّه عبدَه، وكل من كان (?) أثبتَ قولًا وأحسنَ فعلًا كان أعظَمَ تثبيتًا؛ قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)} [النساء: 66]؛ فأثبتُ الناسِ قلبًا أثبتهم قولًا، والقول الثابت هو القول الحق والصدق، وهو ضد القول الباطل الكذب؛ فالقول نوعان: ثابت له حقيقة، وباطل لا حقيقة له، وأثبتُ القول كلمة التوحيد ولوازمها، فهي أعظم ما يثبت اللَّه بها عباده (?) في الدنيا والآخرة؛ ولهذا ترى الصَّادقَ من أثبت الناس وأشْجَعِهم قلبًا، والكاذبَ مِنْ أمْهَن الناس وأجبنهم (?) وأكثرهم تَلَوُّنًا وأقلهم ثباتًا، وأهلُ الفِرَاسة يعرفون صدق الصادق من ثَبَات قلبه وقت الاختبار (?)، وشجاعَتِهِ