قالوا: والقاذف فاسق بقذفه، حُدَّ أو لم يحد، فكيف تقبل شهادته في حال فسقه وترد شهادته بعد زوال فسقه؟.
قالوا: ولا عهد لتا في الشريعة بذنب واحد أصلًا يُتَاب منه ويَبْقى أَثرُه المترتب عليه من رد الشهادة، وهل هذا إلا خلاف المعهود منها، وخلاف قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"؟ (?) وعند هذا فيقال: تَوْبته من القذف تُنزله منزلة من لم يقذف؛ فيجب قبول شهادته، [أو كما قالوا] (?).
قال المانعون: القذف متضمن للجناية على حَقِّ اللَّه وحق الآدمي، وهو من أوفى الجرائم، فناسب تغليظ الزجر، وردُّ الشهادة من أقوى أسباب الزجر (?)، لما فيه من إيلام القلب والنكاية في النفس، إذ هو عَزْل لولاية لسانه الذي استطال به على عِرْض أخيه، وإبطال لها، ثم هو عقوبة في محل الجناية، فإن الجناية حصلت بلسانه، فكان أولى بالعقوبة فيه، وقد رأينا الشارع قد اعتبر هذا حيث قطع يد السارق، فإنه حد مشروع في محل الجناية؛ ولا يُنْتَقض هذا بأنه لم يجعل عقوبة الزاني بقطع العضو الذي جنى به لوجوه:
أحدها: أنه عضو خفي مستور لا تراه العيون، فلا يحصل الاعتبار المقصود من الحد بقطعه.
الثاني: أن ذلك يفضي إلى إبطال آلات التناسل وإنقطاع النوع الإنساني.
الثالث: أن لذة البدن جميعه بالزنا كلذة العضو المخصوص، فالذي نال البدن (?) من اللذة المُحرَّمة مثل ما نال الفرج، ولهذا كان حد الخمر على جميع البدن.