شهادته على واحد من الأمة في حكم جزئيٍّ أولى وأحرى، وإذا قبلت شهادته على حكم اللَّه ورسوله في الفروج والدماء والأموال في الفتوى، فلأن تقبل شهادته على واحد من الناس أولى وأحرى، كيف وهو داخل في قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}؟ فإنه منا وهو عَدْل وقد عَدَّله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "يَحْمِلُ هذا العلم من كل خَلَفٍ عَدُولُه" (?) وعَدَّلَتْه الأمة في الرواية عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[والفتوى] (?)، وهو من رجالنا فيدخل في قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وهو مسلم فيدخل في قول عمر بن الخطاب: "والمسلمون عُدُولٌ بعضهم على بعض" (?) وهو صادق فيجب العمل بخبره، وأن لا يرد (?)، فإن الشريعة لا تردُّ خبر الصادق، بل تعمل (?) به، وليس بفاسق، فلا يجب التثبُّتُ في خبره وشهادته، وهذا كله من تمام رحمة اللَّه وعنايته بعباده، وإكمال دينهم لهم، وإتمام نعمته عليهم بشريعته؛ لئلا تضيع حقوق اللَّه وحقوق عباده مع ظهور الحق بشهادة الصادق، لكن إذا أمكن حفظ الحقوق بأعلى الطريقين، فهو أولى كما أمر بالكتاب والشهود؛ لأنه أبلغ في حفظ الحقوق.
فإن قيل: أمرُ الأموال أسهل، فإنه يُحكم فيها بالنُكول، وباليمين المردودة، وبالشاهد واليمين، بخلاف الرَّجْعة والطلاق.
قيل: هذا فيه نزاع، والحجة إنما تكون بنص أو إجماع، فأما الشاهد واليمين فالحديث الذي في "صحيح مسلم" عن ابن عباس: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بالشاهِدِ واليمين" (?) ليس فيه أنه في الأموال، وإنما هو قول عمرو بن دينار (?)، ولو كان مرفوعًا عن ابن عباس فليس فيه اختصاص الحكم بذلك في