بالعلم؟ فقال: ما أضَرَّ الفتيا على أهلها! فقلت: فبم؟ قال: بقول الناس فيَّ ما لم يعلم اللَّه [أنه] مِنِّي (?).
قال أبو عمر: وقال سحنون يومًا: إنا للَّه، ما أشقى المفتي والحاكم! ثم قال: ها أنذا يُتعلم مني ما تُضْرَب به الرقاب، وتُوَطأ به الفروج وتُؤخذ (?) به الحقوق، أما كنت عن هذا غنيًا (?)؟.
قال أبو عمر: وقال أبو عثمان الحَدَّاد: القاضي أيْسَرُ مأْثمًا وأقرب إلى السلامة من الفقيه -يريد المفتي-؛ لأن الفقيه مِنْ شأنِهِ إصدار ما يَرد عليه من ساعته بما حَضَرَهُ من القول، والقاضي شأنه الأناة والتثبت، ومن تأنّى وتثبت تهيَّأَ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة (?). انتهى.
وقال غيره: المفتي أقربُ إلى السلامة من القاضي؛ لأنه لا يلزم بفتواه، وإنما يخبر بها من استفتاه، فإن شاء قَبل قوله، وإن شاء تركه؛ وأما القاضي فإنه يلزم بقوله، فيشترك هو والمفتي في الإخبار عن الحكم، ويتميز القاضي بالإلزام (?)، والقضاء؛ فهو من هذا الوجه خَطرُه أشَدُّ.
ولهذا جاء في القاضي من الوعيد والتخويف ما لم يأت نظيرُه في المفتي كما رواه أبو داود الطيالسي من حديث عائشة [-رضي اللَّه عنها-]، أنها ذكر عندها القُضَاة فقالت: سمعت رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يُؤتَى بالقاضي العَدْلِ يوم القيامة فَيَلْقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يَقْضِ بين اثنين في تمرة قط" (?).