والتحقيق أن الأمراء إنما يُطَاعون إذا أَمَرُوا بمقتضى العلم؛ فطاعتهم تبع لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف، [وما أوجبه العلم] (?)، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء، ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس كلهم لهم تبعًا، كان صلاحُ العالم بصلاح هاتين الطائفتين، وفساده بفسادهما، كما قال عبد اللَّه بن مبارك، وغيره من السلف: صنفان من الناس إذا صلحا (?) صلح الناس، وإذا فسدا (?) فسد الناس، قيل: من هم؟ قال: الملوك، والعلماء (?)، وقال (?) عبد اللَّه بن مبارك (?):
رأيْتُ الذنوبَ تُمِيتُ القلوبَ ... وقد يورث الذُّلَّ إدْمانُهَا
وتَرْكُ الذنوبِ حياةُ القلوب ... وخَيْرٌ لنفسِكَ عِصْيَانُها
وهل أفسد الدينَ إلا الملوكَ ... وأحْبارُ سوءٍ ورُهْبَانُهَا
ولما كان التبليغُ عن اللَّه -سبحانه- يعتمد العلم بما يبلغ، والصدقَ فيه، لم تصلح مرتبة التبليِغ بالرواية والفُتْيَا؛ إلا لمن اتصف بالعلم والصدق؛ فيكون عالمًا بما يُبلِّغ، صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حَسَنَ الطريقة، مرضِيَّ السيرة، عدلًا في أقوالِه وأفعاله، متشابه السِرِّ والعلانية في مَدْخله ومَخَرْجه وأحواله؛ وإذا كان