ولما كانت الدعوةُ إلى اللَّه [-عز وجل-] (?)، والتبليغ عن رسوله، [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (1) شِعَار حزبه المُفْلِحين، وأتباعه من العالمين، كما قال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]، وكان التبليغ عنه نوعين (?): تبليغ ألفاظ ما (?) جاء به، وتبليغ معانيه؛ كان العلماءُ من أمته منحصرين في قسمين:
أحدهما: حُفَّاظ الحديث وجَها بذته، ونقَّاده (?) الذين هم أئمة الأنام، وزوامل الإسلام، الذين حفظوا على الأمة (?) مَعَاقد الدين ومَعَاقله، وحَمَوْا من التغيير والتكدير مواردَه وَمناهله، حتى وَرَدَ مَنْ سَبَقَتْ له من اللَّه الحسنى تلك المناهِلَ صافية من الأدناس لم تَشُبْها الآراء تغييرًا، ووردوا فيها (?) {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6]، وهم الذين قال فيهم الإمام أحمد بن حنبل [-قدس اللَّه روحه-] (1) في خطبته المشهورة، في كتابه [في] (1) "الرد على الزنادقة والجهمية" (?): "الحمدُ للَّه الذي جعل في كل زمان فترةٍ من الرسل، بقايا من أهل العلم يَدْعُونَ من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحْيُونَ بكتاب اللَّه -تعالى (?) - الموتى، ويبصّرون بنِور اللَّه أهلَ العَمَى، فكم من قتيل لإبليس قد أَحْيَوْهُ؟ وكم من ضال تائه قد هَدَوْه؟ فما أَحْسَنَ أَثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم! يَنْفُون عن كتاب اللَّه تحريف الغالينَ، وانتحالَ المبطلين، وتأَويلَ الجاهلين، الذين عقدوا أَلْوِيَةَ البدعةِ، وأطلقوا عِنان (?) الفتنة فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على اللَّه، وفي اللَّه، وفي كتاب اللَّه بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، وَيخْدَعُون جُهال الناس بما يُشَبهون عليهم؛ فنعوذ باللَّه من فتنة المُضِلِّينَ" (?).