والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم اللَّه الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده، واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرًا".
قال: "فالعالم مَنْ يتوصل بمعرفة الواقع، والتفقه فيه، إلى معرفة حكم اللَّه ورسوله. . . " ثم قال بعد كلام في (1/ 166):
"ومن تأمل الشريعة، وقضايا الصحابة، وجدها طافحة بهذا، ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث اللَّه بها رسوله".
قلت: صدق رحمه اللَّه، لو اطلع على هذا المتنازعون في هذه (المسألة)، التي وقع بسببها (التهاجر) و (التصارم)، وسوء (الظن)، والقيل والقال، لأراحوا واستراحوا، وجمعوا (الحق) إلى (العدل)، فاكتمل الخير، وظهرت ثمرته وبركته على طلبة العلم، واللَّه الواقي والهادي.
وأطال الاستطراد عندما ورد في كتاب عمر -رضي اللَّه عنه-: "البَيِّنة على من ادعى، واليمين على من أنكر"، فأسهب جدًّا في الكلام على البينة، وغلط المتأخرين في تفسيرها، ونصاب الشهادة، وما يتعلق بشهادة الزنا وغيرها، وحكم شهادة العبد، وشهادة اليمين، والحكم بشهادة الواحد إذا ظهر صدقه، وتشرع اليمين من جهة أقوى المتداعيين، ولا يتوقف الحكم على شهادة ذكرين أصلًا، ولم يردّ الشارعُ خبرَ العدل، وجانب التحمل غير جانب الثبوت، ثم تعرض للحاكم وصفاته وما يشترط فيه، وأنه يجب تولية الأصلح للمسلمين، واستطرد في التدليل على ذلك لأهميته، ونبَّه على سر استطراده بقوله في (1/ 199):
"ولا تستطل هذا الفصل، فإنه من أنفع فصول الكتاب، واللَّه المستعان، وعليه التكلان" ثم تكلم عن الصلح بين المسلمين، وجره ذلك إلى بيان أن (الحقوق نوعان)، وأن منها المردود ومنها النافذ، وأن للقاضي أن يؤجل الحكم بحسب الحاجة، وأن حكمه قد يتغير بتغيّر اجتهاده.
واستكمل مباحث الشهادة عندما ورد في كتابه: "والمسلمون عدول بعضهم على بعض" فبيّن (من ترد شهادته) (وشهادة القريب لقريبه أو عليه) و (منع شهادة الأصول للفروع) و (عكسه) و (دليله) و (ردود العلماء على بعضهم بعضًا) في هذه المسألة، و (شهادة الأخ لأخيه)، ثم صوب شهادة الابن لأبيه والعكس.
وبعدها شرح قول عمر في الكتاب: "إلا مجربًا عليه شهادة زور أو مجلودًا