والذي تواطأت عليه الأمة وتلقاه الخلف عن السلف، فإن لم يجد المفتي، أو القاضي، ذلك، اجتهد رأيه ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب اللَّه تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وأقضية أصحابه -رضي اللَّه عنهم-.
وهذا هو الرأي الذي سوغه الصحابة واستعملوه وأقر بعضهم بعضًا عليه. . .
وهنا ساق المصنف (كتاب عمر -رضي اللَّه عنه- في القضاء)، عند وصوله إلى (الرأي المقبول) بأنواعه الأربعة، أورده في النوع الأخير منها.
ولا بد هنا من إبراز (مباحث الفتوى) (?) في كتابنا هذا، إذ كاد أن يكون أوسع معلمة فيها، ولذا قال صديق حسن خان في "إكليل الكرامة" (ص 80 - 81) بعد كلام: "فالكلام في شروط المفتي وما يُعتبر به مبسوط في كتب الأصول والفقه، وقد أوضحها. . . والحافظ الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" بما يشفي العليل، ويروي الغليل، فإنْ شئت الاطلاع، فارجع إليه، يتَّضح لك الحق من الباطل، والخطأ من الصواب، ولا تكن من الممترين" (?).
وذكر عبد القادر بدران في "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص 392) مسائل في (الفتوى)، وقال:
"واعلم أن أمثال هذه المباحث، يُكْثِر من ذكرها الفقهاء في كتب الفروع في (باب آداب القاضي والمفتي)، فلا نطيل بها هنا، وقد أوسع المجال في هذا المقال الإمامُ شمس الدين محمد ابن قيم الجوزية في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" بما لا مزيد عليه، فليُراجعه من أراد استطلاع الحقّ مِنْ برُوجه، فَجزاه اللَّه خيرًا" انتهى.
وصدق رحمه اللَّه تعالى، إذ إن اختياراته في (مباحث الفتوى) ظاهرة عند كثير من العلماء والباحثين والمطلعين، على حسب ما يأتي بيانه تحت عنوان (أهمية الكتاب وفائدته وأثره فيما بعده).
وأما (الرأي وأنواعه) فتقسيمات المصنف له بديعة، واستدلالاته لها غالية،