فإن قيل: فزيد بن أرقم قد خالف عائشة ومَنْ ذكرتم، فغاية الأمر أنها مسألة [ذات] (?) قولين للصحابة، وهي مما يسوغ فيها الاجتهاد.
قيل: لم يُقل زيد قط إن هذا حلال، ولا أفتى بها يومًا [ما] (1)، ومذهب الرجل لا يؤخذ من فعله؛ إذ لعله فعله ناسيًا أو ذاهلًا أو غير مُتأمِّل ولا ناظر أو متأولًا أو ذنبًا يستغفر [اللَّه] (?) منه ويتوب أو يُصِرُّ عليه وله حسنات تقاومه، فلا يُؤثِّر شيئًا، قال بعض السلف (?): "العلم علم الرواية (?)، يعني أنه يقول: رأيت فلانًا يفعل كذا وكذا؛ [إذ لعله] (?) قد فعله ساهيًا" وقال إياس بن معاوية (?): "لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن سَلْه يَصدُقْك" (?)، ولم يُذكر عن زيد أنه أقام على هذه المسألة بعد إنكار عائشة، وكثيرًا ما يفعل الرجل الكبير الشيء مع ذهوله عما في ضمنه من مفسدة فإذا نُبِّهَ انتبه، وإذا كان الفعل محتملًا لهذه الوجوه وغيرها لم يجز أن يُقَدَّمَ على الحكم، ولم يجُز أن يقال: مذهب زيد بن أرقم جواز العِينة، لا سيما وأم ولده قد دخلت على عائشة تستفتيها فأفتتها (?) بأخذ رأس مالها (?)، وهذا كله يدل على أنهما لم يكونا جازمين بصحة العقد وجوازه، وأنه مما أباحه اللَّه ورسوله.
وأيضًا فبيع العِينَة إنما يقع غالبًا من مضطر إليها، وإلَّا فالمُسْتغني عنها لا يشغل ذمته بألف وخمس مئة في مقابلة ألف بلا ضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك، وقد روى أبو داود من حديث علي: "نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع المضطر، وبيع الغَرَر، وبيع الثمرة قبل أن تُدْركَ" (?).