أن يقدر عليه قبلت توبته، وهذا هو الرواية الثالثة عن أحمد (?).
وياللَّه العجب! كيف يقاوِمُ دليل إظهاره للإسلام بلسانه بعد القدرة عليه أدلة زندقته وتكررها منه مرة بعد مرة وإظهاره كل وقت للاستهانة بالإسلام والقَدْح في الدين والطعن فيه في كل مجمع؟ مع استهانته بحرمات اللَّه واستخفافه بالفرائض وغير ذلك من الأدلة؟ ولا ينبغي لعالم قَطُّ أن يتوقف في قتل مثل هذا، ولا تُتْرك الأدِلة القطعية لظاهرٍ قد تبين عدمُ دلالته وبطلانها، ولا تسقط الحدود عن أرباب الجرائم بغير موجب.
نعم لو أنه قَبْلَ رفعه إلى السلطان ظَهَر منه من الأقوال والأعمال ما يَدُل على حسن الإسلام وعلى التوبة النصوحة، وتكرر ذلك منه، لم يُقْتل كما قاله أبو يوسف وأحمد في إحدى الروايات، وهذا التفصيل أحسن الأقوال في المسألة.
ومما يدل على أن توبة الزنديق بعد القدرة لا تعصم دمه قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: 52] قال السلف في هذه الآية: {أَوْ بِأَيْدِينَا} بالقتل إن أظْهَرتم ما في قلوبكم، وهو كما قالوا؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من الكفر بأيدي المؤمنين لا يكون إلا بالقتل؛ فلو قُبلَتْ توبتهم بعد ما ظَهَرت زندقتُهُم لم يمكن المؤمنين أن يتربَّصوا بالزنادقة أن يُصيبهم اللَّه بأيديهم؛ لأنهم كلما أرادوا أن يعذبوهم على ذلك أظهروا الإسلام فلم يُصابوا بأيديهم قط، والأدلة على ذلك كثيرة جدًا، وعند هذا فأصحاب هذا القول يقولون: نحن أسعدُ بالتنزيل والسنة من مخالفينا في هذه المسألة المشنّعين علينا بخلافها، وباللَّه التوفيق.