فإن مَنْ سبَّ اللَّه ورسوله فقد حارب اللَّه ورسوله وسعَى في الأرض فسادًا، فجزاؤه القتل حدًا، والحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقًا، ولا ريب أن محاربة هذا الزنديق للَّه ورسوله وإفساده في الأرض أعظم محاربة وإفسادًا، فكيف تأتي الشريعة بقتل مَنْ صال على عشرة دراهم لذمي أو على بدنه ولا تَقْبَل توبتَه ولا تأتي بقتل مَنْ دأبُهُ الصَّوْل (?) على كتاب اللَّه وسنة رسوله والطعن في دينه وتقبل توبته بعد القدرة عليه؟ وأيضًا فالحدود بحسب الجرائم والمفاسد، وجريمة هذا أغلظ الجرائم، ومفسدة بقائه بين أظهر المسلمين من أعظم المفاسد.
وهاهنا قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها، وهي أن الشارع إنما قبل توبة الكافر الأصلي من كفره بالإسلام لأنه ظاهِرٌ لم يعارضه ما هو أقوى منه، فيجب العمل به؛ لأنه مقتضٍ لحقن الدم والمعارضُ منتفٍ، فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره بعد القدرة عليه للتوبة والإسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية لا ظنية، أما انتفاء القطع فظاهر، وأما انتفاء الظن؛ فلأن الظاهر إنما يكون دليلًا صحيحًا إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يُلتفت إلى ظاهرِ قد عُلِم أن الباطنَ بخلافه (?)، ولهذا اتفق الناس على أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف علمه، وإن شهد عنده بذلك العدول (?)، وإنما يَحْكم بشهادتهم إذا لم يَعْلم خلافها، وكذلك لو أقرَّ إقرارًا علم أنه كاذب فيه مثل أن يقول لمن هو أسَنُّ منه: "هذا ابني" لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقًا (?)، وكذلك الأدلة الشرعية مثل خبر الواحد العَدْل والأمر والنهي والعموم والقياس إنما يجب اتباعها إذا لم يقم دليلٌ أقوى منها يخالف ظاهرها.
وإذا عرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته، وتكذيبه