الطواف مع الحيض محظور لحرمة المسجد أو للطواف أولهما، والمحظورات لا تباح إلا في حالة الضرورة، ولا ضرورة بها إلى طواف القدوم؛ لأنه سنة بمنزلة تحية المسجد، ولا إلى طواف الوداع؛ فإنه ليس من تمام الحج، ولهذا لا يودِّع المقيم بمكة، وإنما يوء المسافر عنها فيكون آخر عهده بالبيت (?)، فهذان الطوافان أمر بهما القادر عليهما إما أَمْرَ إيجاب فيهما أو في أحدهما أو استحباب كما هي أقوال معروفة، وليس واحد منهما ركنًا يقف صحة الحج عليه، بخلاف طواف الفرض فإنها مضطرة إليه، وهذا كما يباح لها الدخول إلى المسجد واللُّبْثُ فيه للضرورة، ولا يباح لها الصلاة ولا الاعتكاف فيه وإن كان منذورًا، ولو حاضت المعتكفة خرجت من المسجد إلى فنائه فأتمت اعتكافها ولم يبطل، وهذا يدل على أن منع الحائض من الطواف كَمنعها من الاعتكاف، وإنما هو لحرمة المسجد لا لمنافاة الحيض لعبادة الطواف والاعتكاف، ولما كان الاعتكاف يمكن أن يفعل في رَحْبَة المسجد وفنائه جوز لها إتمامه فيها لحاجتها، والطواف لا يمكن إلا في المسجد وحاجتها في هذه الصورة إليه أعظم من حاجتها إلى الاعتكاف، بل لعل حاجتها إلى ذلك أعظم من حاجتها إلى دخول المسجد واللبث فيه لبَرْد أو مَطَر أو نحوه.
وبالجملة فالكلام في هذه الحادثة في فصلين:
أحدهما: في اقتضاء قواعد الشريعة لها لا لمنافاتها (?)، وقد تبين ذلك بما فيه كفاية.
والثاني: في أن كلام الأئمة وفتاويهم في الاشتراط أو الوجوب إنما هو في حال القدرة والسَّعَة لا في حال الضرورة والعجز؛ فالإفتاء بها لا ينافي نص الشارع ولا قول الأئمة، وغاية المفتي بها أنه يقيد مطلق كلام الشارع بقواعد شريعته وأصولها، ومطلق كلام الأئمة بقواعدهم وأصولهم؛ فالمفتي بها موافق