أن الخِرقَ والقُطْنَ والصوف أولى منها بالجواز، وكذلك نصّه على التراب في الغسل من ولوغ الكلب (?) والأشنانُ أولى منه (?)، هذا فيما علم مقصود الشارع منه، وحصولُ ذلك المقصود على أتم الوجوه بنظيره وما هو أولى منه.
المثال السادس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهير، وقال: "اصْنَعِي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" (?) فظنَّ مَنْ ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان، ولم يفرِّق بين حال القدرة والعجز، ولا بين زمن إمكان الاحتباس (?) لها حتى تطهير وتطوف وبين الزمن الذي لا يمكن فيه ذلك، وتمسك بظاهر النص، ورأى منافاة الحيض للطواف كمنافاته للصلاة والصيام؛ إذ نهى الحائض عن الجميع سواء، ومنافاة الحيض لعبادة الطواف كمنافاته لعبادة الصلاة، ونازعهم في ذلك فريقان:
أحدهما: صحح (?) الطواف مع الحيض، ولم يجعلوا الحيض مانعًا من صحته، بل جعلوا الطهارة واجبة تُجبر بالدم ويصح الطواف بدونها كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهي أنصهما (?) عنه، وهؤلاء لم يجعلوا ارتباط الطهارة بالطواف كارتباطها بالصلاة ارتباط الشَّرط بالمشروط، بل جعلوها واجبة من واجباته، وارتباطها به كارتباط واجبات الحج به يصحُّ فعلُه مع الإخلال بها وبجبرها الدم.