الفِرَق تقول بهذه المسألة وإن تناقضوا ولم يطَّردوها؛ فأبو حنيفة يقول: إذا قضى بعضُ الورثة دينَ الميت ليتوصلَ بذلك إلى أخذ حقه من التركة بالقسمة فإنه يرجع على التركة بما قضاه، وهذا واجب قد أدَّاه عن غيره بغير إذنه، وقد رجع به، ويقول: إذا بنى صاحبُ العلو [أو] (?) السفل بغير إذن المالك لزم الآخر غرامة ما يخصه، وإذا أنفق المُرتهن على الرَّهن في غيبة الراهن رجع بما أنفق، وإذا اشترى اثنان من واحد عبدًا بألف فغاب أحدهما فأدَّى الحاضر جميع الثمن ليستلم (?) العبد كان له الرجوع. والشافعي يقول: إذا أعار عبدًا لرجلٍ ليرهَنه فرهنه ثم إنَّ صاحب الرهن قضى الدين بغير إذن المستعير وافْتَكَّ الرهن رجع بالحق، وإذا استأجر جِمَالًا ليركبها فهرب الجَمَّالُ فأنفق المستأجر على الجِمَال رجع بما أنفق، وإذا ساقى رجلًا على نخلِهِ فهرب العامل فاستأجر صاحبُ النخل مَنْ يقوم مَقَامه رجع [عليه] (?) به، واللقيط إذا أنفق عليه أهلُ المحلة ثم استفاد مالًا رجعوا عليه. وإن أذن له في الضمان فضمن ثم أدّى الحق بغير إذنه رجع عليه. وأما المالكية والحنابلة فهم أعظم الناس قولًا بهذا الأصل، والمالكية أشدُّ قولًا به؛ ومما يوضح ذلك أن الحنفية قالوا في هذه المسائل: إن هذه الصور كلها أحْوَجَتْه إلى استيفاء حقه أو حفظ ماله؛ فلولا عمارة السفل لم يثبت العلو، ولو لم يقض الوارث الغرماء لم يتمكن من أخذ حقه من التركة بالقسمة، ولو لم يحفظ الرهْنَ بالعَلَف لتلف محل الوثيقة، ولو لم يستأجر على الشجر مَنْ يقوم مقام العامل لتعطلت الثمرة، وحقه متعلق بذلك كله، فإذا أنفق كانت نفقته ليتوصل إلى حقه، بخلاف مَنْ أدَّى دين غيره فإنه لا حقَّ له هناك يتوصل [به] (?) إلى استيفائه بالأداء؛ فافترقا؛ وتبين أن هذه القاعدة لا تلزمنا، وأن مَنْ أدَّى عن غيره واجبًا من دين أو نفقة على قريب أو زوجة فهو إما فُضُولي وهو جدير بأن يفوت عليه ما فوَّته على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015