اختلاف لغاتها وأوهامها من هذه الرؤية رؤية المُقابلة والمواجهة التي تكون بين الرائي والمرئي فيها مسافة (?) محدودة غير مُفرطة في البعد فتمتنع الرؤية ولا (?) في القرب فلا تمكن الرؤية، لا تعقل الأمة (?) غير هذا، فإما أن يروه سبحانه من تحتهم -تعالى اللَّه-، أو مِنْ خَلفهم أو من أمامهم أو عن أيْمانهم أو عن شمائلهم أو من فوقهم، ولا بد من قسم من هذه الأقسام إن كانت الرؤية حقًا، وكلها باطل سوى رؤيتهم له من فوقهم كما في حديث جابر الذي في "المسند" وغيره: "بينا أهل الجنة في نَعيمهم إذ سَطَع لهم نورٌ، فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبَّار قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلامٌ عليكم" ثم قرأ قوله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]، ثم يتوارى عنهم، وتبقى رحمتُه وبركتُه عليهم في ديارهم" (?) ولا يتم إنكار الفوقية إلا بإنكار الرؤية، ولهذا طرد الجهمية أصلهم وصَرَّحوا بذلك، ورَكِبوا النَّفيين معًا، وصدَّق أهل السنة بالأمرين معًا وأقرّوا بهما، وصار من أثبت الرؤية ونفى علو الرب على خلقه واستواءه على عرشه مذبذبًا بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

فهذه أنواع من الأدلة السمعية المحكمة إذا بُسطت أفرادُها كانت ألفَ دليلٍ على علو الرب على خلقه واستوائه على عرشه؛ فترك الجهمية ذلك كله وردوه بالمتشابه من قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] ورده زعيمهم المتأخر بقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وبقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015