على أن اللَّه سبحانه تكلَّم ويتكلم، وكلَّم ويُكلِّم، وقال ويقول، وأخبر و [يخبر] (?)، ونبَّأ وأَمر ويأمر، ونهى وينهى، ورضي ويرضى ويعطي ويبشّر ويُنذر ويُحذّر، ويوصل لعباده القول ويبين لهم ما يتقون، ونادى وينادي، وناجى ويناجي، ووَعد وأَوْعد، ويسأل عباده يوم القيامة ويخاطبهم ويكلم كلًا منهم ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب ويراجعه عبده مراجعة، وهذه كلها أنواع للكلام والتكليم، وثبوتها بدون ثبوت صفة التكلم له ممتنع، فردها الجهمية مع إحكامها وصراحتها وتعينها للمراد منها بحيث لا تحتمل غيره بالمتشابه من قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
المثال الحادي عشر: ردوا محكم قوله: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، وقوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13]، وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ} [النحل: 102]، وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وقوله: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] وغيرها من النصوص المحكمة بالمتشابه من قوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102]، وقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40 والتكوير: 19] والآيتان حجة عليهم؛ فإن صفات اللَّه جل جلاله داخلة في مُسمَّى اسمه؛ فليس {اللَّه} اسمًا لذات لا سَمعَ لها ولا بَصَر [لها] (?) ولا حياة [لها] (2) ولا كلام [لها] (2) ولا علم، وليس هذا رب العالمين، وكلامه تعالى وعلمه وحياته وقدرته ومشيئته ورحمته داخلة في مُسمَّى اسمه؛ فهو سبحانه بصفاته وكلامه الخالق، و [كل] (?) ما سواه مخلوف، وأما إضافة القرآن إلى الرسول فإضافة تبليغ محض، لا إنشاء، والرسالة تستلزمُ تبليغَ كلام المُرسل، ولو لم يكن للمرسل كلام يبلغه الرسول لم يكن رسولًا؛ ولهذا قال غير واحد من السلف: "من أنكر أن يكون اللَّه متكلمًا فقد أنكر رسالة رسله"؛ فإن حقيقة رسالتهم تبليغ كلام من أرسلهم؛ فالجهمية وإخوانهم ردوا تلك النصوص المحكمة بالمتشابه، ثم صيَّروا الكل متشابهًا ثم ردوا الجميع، فلم يثبتوا للَّه فعلًا يقوم به يكون به فاعلًا كما لم يثبتوا له كلامًا يقوم به يكون به متكلمًا؛ فلا كلام له عندهم ولا فعال (?)، بل كلامه وفعله عندهم