ثم ذكر أحمد الاحتجاج على إبطال قول من عارض السنن بظاهر القرآن وردَّها بذلك، وهذا فعل الذين يستمسكون (?) بالمتشابه في رَدِّ المحكم، فإن لم يجدوا لفظًا متشابهًا غير المحكم يردونه به استخرجوا من المحكم وصفًا متشابهًا وردوه به، فلهم طريقان في رد السنن.
أحدهما: ردها بالمتشابه من القرآن أو من السنن (?)، الثاني: جعلهم المحكم متشابهًا ليعطلوا دلالته.
وأما طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث كالشافعي والإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة وأبي يوسف والبخاري وإسحاق فعكس هذه الطريق، وهي أنهم يردُّون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون من المحكم ما يُفسِّر لهم المتشابه ويبينه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضُها بعضًا، ويصدُّق بعضُها بعضًا، فإنَّها كلها من عند اللَّه، [وما كان من عند اللَّه] (?) فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره.
ولنذكر لهذا الأصل أمثلة لشدة حاجة كل مسلم إليه أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب.
المثال الأول: رد الجهمية النصوص المحكمة غاية الإحكام المبينة بأقصى غاية البيان أن اللَّه موصوفٌ بصفاتِ الكمال من العِلْم والقُدرة والإرادة والحياة والكلام والسمع والبصر والوجه واليدين والغَضَب والرِّضى والفَرح والضَّحك والرحمة والحكمة، وبالأفعال كالمجيء والإتيان والنزول إلى السماء الدنيا ونحو ذلك، والعلم بمجيء الرسول بذلك وإخباره به عن ربه إن لم يكن فوق العلم بوجوب الصلاة والصيام والحج والزكاة وتحريم الظلم والفواحش والكذب فليس يقصرُ عنه، فالعلم الضروريُّ حاصل بأن الرسول أخبر عن اللَّه بذلك، وفَرضَ على