عالِمِهِ" (?) فهذا حق، وهو الواجب على من سِوى الرسول؛ فإن كل أحد بعد الرسول لا بد أن يشتبَه عليه بعض ما جاء به، وكل من اشتبه عليه شيء وجب عليه أن يكِله إلى من هو أعلم منه، فإن تبيَّن له صار عالمًا مثله، وإلا وَكَلُه إليه، ولم يتكلف ما لا علم [له] (?) به؛ فهذا هو الواجب علينا في كتاب ربنا وسنةِ نبينا وأقوال أصحابه، وقد جعل اللَّه سبحانه فوق كل ذي علم عليم؛ فمن خفي عليه بعض الحق فوَكَله إلى مَنْ هو أعلم منه فقد أصاب، فأي شيء في هذا الإعراض عن القرآن والسنن وآثار الصحابة واتخاذ رجل بعينه معيارًا على ذلك وترك النصوص لقوله، وعرضها عليه وقبول كل ما أفتى به ورد كل ما خالفه؟ وهذا الأثر نفسه من أكبر الحجج على بطلان التقليد، فإن أوله: "ما استبان لك فاعمل به، وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه" (?) ونحن نناشدكم اللَّه إذا استبانت لكم السنة هل تتركون قول من قَلَّدتموه لها وتعملون بها وتفتون أو تقضون (?) بموجبها، أم تتركونها وتعدلون عنها إلى قوله وتقولون: هو أعلمُ بها منَّا؟ فأُبيٌّ -رضي اللَّه عنه- مع سائر الصحابة على هذه الوصية، وهي مُبطلةٌ للتقليد قطعًا، وباللَّه التوفيق.

ثم نقول: هل وكلتم (?) ما اشتبه عليكم من المسائل إلى عالِمها من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ هم أعلم الأمة وأفضلها أم تركتم (5) أقوالهم وعدلتم عنها؟ فإن كان من قلَّدتموه ممن يوكل ذلك إليه فالصحابة أحق أن يوكل ذلك إليهم.

[فتوى الصحابة والرسول حي تبليغ عنه]

الوجه السادس والخمسون: قولكم: "كان الصحابة يفتون ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيٌّ بين أظهرهم، وهذا تقليد [من المستفتين] (?) لهم" وجوابه أن فتواهم إنما كانت تبليغًا عن اللَّه ورسوله، وكانوا بمنزلة المخبرين فقط، لم تكن فتواهم تقليدًا لرأي فلان وفلان وإن خالفت النصوص؛ فهم لم يكونوا يقلدون في فتواهم، ولا يُفتون بغير النصوص، ولم يكن المستفتون لهم يعتمدون إلا على ما يبلغونهم إياه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015