بالمفتي أو الحاكم نازلةٌ لم يجز أن ينظر فيها في كتاب اللَّه ولا سنة رسوله ولا أقوال الصحابة بل إلى ما قال (?) مقلَّدُه ومتبوعه ومَنْ جعله عيارًا على القرآن والسنة؛ فما وافق قوله أفتى به وحَكَم به، وما خالفه لم يجز له أن يفتي به ولا يقضي به، وإن فعل ذلك تعرَّض لعزله عن منصب الفتوى والحُكم، واستفتى عليه (?): ما تقول السادة والفقهاء (?) فيمن ينتسب إلى مذهب إمام معين يقلده دون غيره، ثم يفتي أو يحكم بخلاف مذهبه، هل يجوز له ذلك أم لا؟ وهل يقدح ذلك فيه أم لا؟ فيُنغض المقلدون رءوسهم، ويقولون: لا يجوز له ذلك (?)، ويقدح فيه. ولعل القول الذي عَدَل إليه هو قول أبي بكر وعمر وابن مسعود وأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وأمثالهم؛ فيجيب هذا الذي انتصب للتوقيع عن اللَّه ورسوله بأنه لا يجوز له مخالفة قول متبوعه لأقوال من هو أعلم باللَّه ورسوله منه، وإن كان مع أقوالهم كتاب اللَّه وسنة رسوله، وهذا من أعظم جنايات فِرْقةِ التقليد على الدين، ولو أنهم لزموا حَدَّهم ومرتبتهم وأخبروا إخبارًا مُجرَّدًا عما وجدوه من السواد في البياض من أقوال لا علم لهم بصحيحها من باطلها لكان لهم (?) عذرٌ ما عند اللَّه، ولكن هذا مبْلَغهم من العلم، وهذه معاداتهم لأهله وللقائمين بحججه (?)، وباللَّه التوفيق.
الوجه الثالث والخمسون: قولكم: "منع عمر من بَيْع أمهات الأولاد وتبعه الصحابة وألزم بالطلاق (?) الثلاث وتبعوه أيضًا" (?) جوابه من وجوه؛ أحدهما: أنهم لم يتبعوه تقليدًا له، بل أذَاهم اجتهادُهم في ذلك إلى ما أداه إليه اجتهاده، ولم يقل أحد منهم قط: إني رأيت ذلك تقليدًا لعمر. الثاني: أنهم لم يتبعوه كلهم فهذا ابن مسعود يخالفه في أمهات الأولاد (?)، وهذا ابن عباس يخالفه في الإلزام