من عبودية إقامة الحق وتنفيذه وإلزامه من هو عليه به والصبر على ذلك والجهاد عليه ما ليس على المفتي، وعلى الغني من عبودية أداء الحقوق التي في ماله ما ليس على الفقير، وعلى القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه ما ليس على العاجز عنهما.
وتكلم يحيى بن معاذ الرازي يومًا في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقالت [له] (?) امرأة: هذا واجب قد وُضِع عنا، فقال: هَبِي أنه قد وضع عنكنَّ سلاح اليد واللسان، فلم يوضع عنكن سلاح القلب، فقالت: صدقتَ جزاك اللَّه خيرًا.
وقد غرَّ إبليس أكثر الخلق بأنْ حسّن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع، وعطَّلوا هذه العبوديات، فلم يحدثوا قلوبهم بالقيام بها، وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس دينًا؛ فإن الدين هو القيام بما أمر اللَّه به (?)، فتارك حقوق اللَّه التي تجب عليه أسوأ حالًا عند اللَّه ورسوله من مرتكب المعاصي؛ فإن ترْك الأمر أعظم من ارتكاب النهي من أكثر من ثلاثين وجهاَ ذكرها شيخنا (?) رحمه اللَّه في بعض تصانيفه.
ومن له خبرة بما بعث اللَّه به رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وبما كان هو عليه وأصحابه رأى أن أكثر من يُشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينًا، واللَّه المستعان، وأيّ دين وأيُّ خير فيمن يرى محارم اللَّه تُنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة [رسول اللَّه] (?) -صلى اللَّه عليه وسلم- يُرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطان أخرس! كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذي إذا سَلِمت لهم مآكلُهم ورياساتُهم فلا مُبالاة بما جرى على الدين؟ وخيارهم المتحزن المتلمظ (?)، ولو