الأنبياء وأممهم، ويكفي في بطلان هذا المذهب المتروك الذي هو من أفسد مذاهب العالم أنه يتضمن لمساواة ذات جبريل بذات إبليس (?)، وذات الأنبياء بذات أعدائهم، ومكان البيت العتيق بمكان الحُشوش (?) وبيوت الشياطين، وأنه لا فرق بين هذه الذوات في الحقيقة، وإنما خصت [هذه الذات عن هذه الذات بما خُصّت به] (?) لمحض المشيئة المرجِّحة مثلًا على مثل بلا موجب، بل قالوا ذلك في جميع الأجسام، وأنها متماثلة، فجسم المِسْك عندهم مساوٍ لجسم البول والعذرة، وإنما امتاز عنه بصفة عَرَضية، وجسم الثلج عندهم مساوٍ لجسم النار في الحقيقة، وهذا مما خرجوا به عن صريح المعقول، وكابروا فيه الحسّ، وخالفهم فيه جمهور العقلاء من أهل الملل والنَّحَلِ، وما سَوَّى اللَّه بين جسم السماء وجسم الأرض، ولا بين جسم النار وجسم الماء، ولا بين جسم الهواء وجسم الحجر، وليس مع المنازعين من ذلك إلا الاشتراك في أمر عام، وهو قبول الانقسام وقيام الأبعاد الثلاثة والإشارة الحسِّيَّة، ونحو ذلك مما لا يوجب التشابه فضلًا عن التماثل، وباللَّه التوفيق.

فصل [الحكمة في الجمع بين المختلفات في الحكم متى اتفقت في موجبه]

وأما قوله: "إن الشريعة جمعت بين المختلفات، كما جمعت بين الخطأ والعمد في ضمان الأموال" فغيرُ منكرٍ في العُقول والفِطر والشرائع والعادات اشتراكُ المختلفاتِ في حكم واحد باعتبار اشتراكها في سبب ذلك الحكم؛ فإنه لا مانع من اشتراكِها في أمرِ يَكون علة لحكم من الأحكام، بل هذا هو الواقع (?)، وعلى هذا فالخطأ والعمد اشتركا في الإتلاف الذي هو علة للضمان، وإن افترقا في علة الإثم، وربْطُ الضمان بالإتلاف من باب ربط الأحكام بأسبابها، وهو مقتضى العدل (?) الذي لا تتمُّ المصلحةُ إلا به، كما أوجب على القاتل خطأ ديَّةَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015