كمال الشريعة (?) وحكمتها ولطفها؛ فإن مصلحةَ العباداتِ البدنية ومصلحة العقوبات النساءُ والرجال مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر؛ فلا يليق التفريق بينهما، نعم فرقت بينهما، في أليق المواضع بالتفريق وهو الجمعة والجماعة، فخُصَّ وجوبهما بالرجال دون النساء لأنهن لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال (?)؛ وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها، وسوّت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة؛ وأما الشهادة فإنما (?) جُعلت المرأة فيها على النصف من الرجل؛ لحكمة أشار إليها العزيز الحكيم في كتابه، وهي أن المرأة ضَعيفةُ العقل قليلةُ الضبط لما تحفظه. وقد فضّل اللَّه الرجال على النساء في العقول والحفظ والفهم والتمييز؛ فلا تقوم المرأة في ذلك مقام الرجل، وفي منع قبول شهادتها بالكلية إضاعة لكثير من الحقوق وتعطيل لها، فكان من أحسن الأمور وألصقها بالعقول، أن ضمَّ إليها في قبول الشهادة نظيرها لتذكِّرها إذا نسيت، فتقوم شهادة المرأتين مقام شهادة الرجل، ويقع من العلم أو الظَنَّ الغالب بشهادتهما ما يقع بشهادة الرجل الواحد، وأما الدية فلما كانت المرأة أنْقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها والذب عن الدنيا والدين لم تكن قيمتها مع ذلك متساوية وهي الدية؛ فإن دِية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال، فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته لتفاوت ما بينهما.
فإن قيل: لكنكم نقضتم هذا فجعلتم ديتهما سواء فيما دون الثلث.
قيل: لا ريب أن السنة وردت بذلك، كما رواه النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَقْل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغَ الثُّلثَ من ديتها" (?) وقال سعيدُ بن المُسيَّب: إن ذلك