فالجواب عن هذا أن مفسدة تلك الجنايات تندفعُ بتغريمه نظيرَ ما أتلفه عليه؛ فإن المِثْل يسدُّ مسدَّ المثل (?) من كل وجه؛ فتصير المقابلة مفسدة محضه (?)، كما ليس له أن يقتلَ ابنَه أو غلامَه [مقابلة لقتله هو ابنه او غلامه] (?)، فإن هذا شَرْعُ الظالمين المعتدين الذي تُنزَّه عنه شريعةُ أحكم الحاكمين، على أن للمقابلة في إتلاف المال [بمثل فعله] (?) مساغًا في الاجتهاد، وقد ذهب إليه بعضُ أهل العلم كما تقدم الإشارة إليه في عقوبة الكُفّارِ بإفساد أموالهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا، أو [كان] (3) يغِيظهم، وهذا بخلاف قَتْل عبدِه إذا قَتَلَ عَبدَه، [أو عَقْر فرسه إذا عُقر فرسه] (?)، فإن ذلك ظلم لغير مستحق، ولكن السنة اقتضت التضمين بالمثل، لا إتلاف النظير، كما غَرَّم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إحدى زوجتيه التي كسرت إناء صاحبتها إناءً بدله، وقال: "إناء بإناء" (?) ولا ريب أن هذا أقل فسادًا، [وأصلح للجهتين] (?)؛ لأن المُتْلَفَ مالُه إذا أَخذ نظيره صار كمن لم يفت عليه شيءٌ، وانتفع بما أَخذه عوض ماله، فإذا مكنَّاه من إتلافه كان زيادة في إضاعة المال، وما يُراد من التَّشفي، وإذاقة الجاني ألم الإتلاف فحاصل بالغرم غالبًا، ولا التفات إلى الصور النادرة التي لا يتضرر الجاني فيها بالغُرم، ولا شك أن هذا أليق بالعقل، وأبلغ في الصلاح، وأوفق للحكمة، وأيضًا فإنه لو شُرعَ القصاصُ في الأموال ردعًا للجاني لبقي جانب المجني عليه غير مراعى، بل يبقى متألمًا موتورًا غير مجبور، والشريعة إنما جاءت بجبر هذا وردع هذا.
فإن قيل: فخيِّروا المجني عليه بين أن يُغرِّم الجاني أو يتلف عليه نظير ما أتلفه هو، كما خيَّرتموه في الجناية على طرفه، وخيرتم أولياء القتيل بين إتلاف الجاني النظير وبين أخذ الدية.