وأما الجلد فجعله عقوبةَ الجنايةِ على الأَعراض، وعلى العقول، وعلى الأبضاع، ولم تبلغ هذه الجنايات مبلغًا يوجب القتل ولا إبانة الطرف (?)، إلا الجناية على الأبضاع فإن مفسدتَها قد انتهضت سببًا لأشنع القتلات، ولكن عارضها في البكر شدة الداعي وعدم العوض (?)، فانتهض ذلك المعارض سببًا لإسقاط القتل، ولم يكن الجلد وحده كافيًا في الزجر فغُلِّظ بالنفي والتغريب؛ ليذوق من ألم الغربة ومفارقة الوطن ومجانبة الأهل والخُلطاء ما يزجره عن المعاودة؛ وأما الجناية على العقول بالسكر فكانت مفسدتُها لا تتعدّى السكران غالبًا، ولهذا لم يُحرَّم السُّكر في أول الإسلام كما (?) حرمت الفواحش والظلم والعدوان في كل ملة وعلى لسان كل نبي، وكانت عقوبة هذه الجناية غير مقدرة من الشارع، بل ضرب فيها بالأيدي والنِّعال وأطراف الثياب والجريد، وضرب فيها أربعين (?)، فلما استخف الناس بأمرها وتتابعوا في ارتكابها غلَّظها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- الذي أُمِرْنا بابتاع سنته، وسنته من سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فجعلها ثمانين بالسوط (?)، ونَفَى فيها، وحَلَق الرَّأس (?)، وهذا كله من فقه السنة؛ فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل الشارب في المرة الرابعة (?)، ولم يَنْسَخ