بخلاف بدل المُتلف من الأموال؛ فإنه قليل في الغالب لا يكاد المُتْلِف يعجز عن حمله، وشأن النفوس غير شأن الأموال؛ ولهذا لم تحمل العاقلة ما دون الثلث عند أحمد ومالك (?) لقلّته واحتمال الجاني حمله (?)، وعند أبي حنيفة لا تَحْمِل ما دون أقل المقدّر كأرْشِ المُوضحة (?) وتحمل ما فوقه (?)، وعند الشافعي تحمل القليل والكثير طردًا للقياس (?)؛ وظهر بهذا كونها لا تحمل العبد فإنه سلعة من السلع ومال من الأموال، فلو حملت بدله لحملت بدل الحيوان والمتاع؛ وأما الصلح والاعتراف فعارض هذه الحكمة فيهما معنًى آخر، وهو أن المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه قد يتواطآن على الإقرار بالجناية ويشتركان فيما تحمله العاقلة ويتصالحان على تغريم العاقلة، فلا يسْري إقراره ولا صلحه، [فلا يجوز إقراره] (?) في حق العاقلة، ولا يقبل قوله فيما يجب عليه (?) من الغرامة، وهذا هو القياس الصحيح؛ فإن الصلح والاعتراف يتضمن إقراره ودَعْواه على العاقلة بوجوب المال عليهم؛ فلا يقبل ذلك في حقهم، ويقبل بالنسبة إلى المعترف كنظائره، فتبين أن إيجاب الدية على العاقلة من جنس ما أوجبه الشارع من الإحسان إلى المحتاجين كأبناء السبيل والفقراء والمساكين.
وهذا من تمام الحكمة التي بها قيام مصلحة العالم؛ فإن اللَّه سبحانه قسم خلقه إلى غني وفقير، ولا تتم مصالحهم إلا بسدِّ خَلّة الفقير، فأوجب سبحانه في فضول أموال الأغنياء ما يسد [به] (?) خلّة الفقراء، وحرّم الربا الذي يضر بالمحتاج، فكان أمره بالصّدقة ونهيه عن الربا أخوين شقيقتين؛ ولهذا جمع اللَّه