اسْتَبَانَ لَك مِنْ أَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُلَّ مَا قَضَتْ بِهِ أَئِمَّةُ الْمُهْتَدِينَ فَاجْتَهِدْ رَأْيَك، وَاسْتَشِرْ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ.
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: ثنا سُفْيَانُ ثنا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ إذَا حَضَرَك أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَانْظُرْ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ وَأَئِمَّةُ الْعَدْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَجْتَهِدَ رَأْيَك فَاجْتَهِدْ رَأْيَك، وَإِنْ شِئْت أَنْ تُؤَامِرنِي، وَلَا أَرَى مُؤَامَرَتَك إيَّايَ إلَّا خَيْرًا لَك، وَالسَّلَامُ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَلَبِ عِلْمِ الْوَاقِعَةِ مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فِي الْقُرْآنِ فَفِي السُّنَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فِي السُّنَّةِ فَبِمَا قَضَى بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَوْ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَوْ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَبِمَا قَالَهُ وَاحِدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ وَنَظَرَ إلَى أَقْرَبِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْضِيَةِ أَصْحَابِهِ؛ فَهَذَا هُوَ الرَّأْيُ الَّذِي سَوَّغَهُ الصَّحَابَةُ وَاسْتَعْمَلُوهُ، وَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى سَوْمٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَعَطَبَ، فَخَاصَمَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك رَجُلًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أَرْضَى بِشُرَيْحٍ الْعِرَاقِيِّ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَخَذْتَهُ صَحِيحًا سَلِيمًا فَأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى تَرُدَّهُ صَحِيحًا سَلِيمًا، قَالَ: فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ فَبَعَثَهُ قَاضِيًا، قَالَ: مَا اسْتَبَانَ لَك مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَمِنْ السُّنَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فِي السُّنَّةِ فَاجْتَهِدْ رَأْيَك.
[خِطَابُ عُمَرَ إلَى أَبِي مُوسَى]
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَعْمَرٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ثنا إدْرِيسُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ قَالَ: أَتَيْت سَعِيدَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ رُسُلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّتِي كَانَ يَكْتُبُ بِهَا إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَكَانَ أَبُو مُوسَى قَدْ أَوْصَى إلَى أَبِي بُرْدَةَ، فَأَخْرَجَ إلَيْهِ كُتُبًا، فَرَأَيْت فِي كِتَابٍ مِنْهَا، رَجَعْنَا إلَى حَدِيثِ أَبِي الْعَوَّامِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إذَا أَدْلَى إلَيْك؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا