أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: هَلْ تَوَضَّأْت حِينَ أَقْبَلْت؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ صَلَّيْت مَعَنَا حِينَ صَلَّيْنَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْك» ، وَفِي لَفْظٍ «إنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَك ذَنْبَك، أَوْ حَدَّك» ، وَمِنْ تَرَاجِمِ النَّسَائِيّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ " مَنْ اعْتَرَفَ بِحَدٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ " وَلِلنَّاسِ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَالِكُ، هَذَا أَحَدُهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ خَاصٌّ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَالثَّالِثُ سُقُوطُ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ الْمَسَالِكِ.
فَصْلٌ
[مِنْ أَسْبَابِ سُقُوطِ الْحَدِّ عَامُ الْمَجَاعَةِ]
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْقَطَ الْقَطْعَ عَنْ السَّارِقِ فِي عَامِ الْمَجَاعَةِ، قَالَ السَّعْدِيُّ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْخَزَّازُ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ زَاهِرٍ أَنَّ ابْنَ حُدَيْرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي عِذْقٍ وَلَا عَامِ سَنَةٍ.
قَالَ السَّعْدِيُّ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: الْعِذْقُ النَّخْلَةُ، وَعَامُ سَنَةٍ: الْمَجَاعَةُ، فَقُلْت لِأَحْمَدَ: تَقُول بِهِ؟ فَقَالَ: إي لَعَمْرِي، قُلْت: إنْ سَرَقَ فِي مَجَاعَةٍ لَا تَقْطَعُهُ؟ فَقَالَ: لَا، إذَا حَمَلَتْهُ الْحَاجَةُ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّاسُ فِي مَجَاعَةٍ وَشِدَّةٍ.
قَالَ السَّعْدِيُّ: وَهَذَا عَلَى نَحْوِ قَضِيَّةِ عُمَرَ فِي غِلْمَانِ حَاطِبٍ، ثنا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ حَاطِبٍ أَنَّ غِلْمَةً لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، فَأَتَى بِهِمْ عُمَرُ، فَأَقَرُّوا، فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ: إنَّ غِلْمَانَ حَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ وَأَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا كَثِيرُ بْنَ الصَّلْتِ اذْهَبْ فَاقْطَعْ أَيْدِيَهُمْ، فَلَمَّا وَلَّى بِهِمْ رَدَّهُمْ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهُ لَوْلَا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَسْتَعْمِلُونَهُمْ وَتُجِيعُونَهُمْ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ أَكَلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ لَقَطَعْت أَيْدِيَهُمْ، وَاَيْمُ اللَّهِ إذَا لَمْ أَفْعَلْ لَأُغَرِّمَنَّكَ غَرَامَةً تُوجِعُكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُزَنِيُّ بِكَمْ أُرِيدَتْ مِنْك نَاقَتُك؟ قَالَ: بِأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ فَأَعْطِهِ ثَمَانِي مِائَةٍ.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى مُوَافَقَةِ عُمَرَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا؛ فِي مَسَائِلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيِّ الَّتِي شَرَحَهَا السَّعْدِيُّ بِكِتَابٍ سَمَّاهُ الْمُتَرْجِمُ، قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الرَّجُلِ يَحْمِلُ الثَّمَرَ مِنْ أَكْمَامِهِ، فَقَالَ: فِيهِ الثَّمَنُ مَرَّتَيْنِ وَشَرَبُ نَكَالٍ، وَقَالَ: وَكُلُّ مَنْ دَرَأْنَا عَنْهُ الْحَدُّ وَالْقَوَدُ أَضْعَفْنَا عَلَيْهِ الْغُرْمَ، وَقَدْ وَافَقَ أَحْمَدَ عَلَى سُقُوطِ الْقَطْعِ فِي الْمَجَاعَةِ الْأَوْزَاعِيُّ، وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ؛ فَإِنَّ السَّنَةَ إذَا كَانَتْ سَنَةَ مَجَاعَةٍ وَشِدَّةٍ غَلَبَ عَلَى النَّاسِ الْحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ، فَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ السَّارِقُ مِنْ ضَرُورَةٍ تَدْعُوهُ إلَى مَا