وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثنا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذَا سُئِلَ لَا يُجِيبُ حَتَّى يَقُولَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، هَذَا الرَّأْيُ، وَالرَّأْيُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: عِلْمُنَا هَذَا رَأْيٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَمَنْ جَاءَنَا بِأَحْسَنَ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ مِنْهُ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ثنا أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ مَالِكٍ فَسُئِلَ عَنْ الْبَتَّةِ، فَأَخَذْت أَلْوَاحِي لِأَكْتُبَ مَا قَالَ، فَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَا تَفْعَلْ، فَعَسَى فِي الْعَشِيِّ أَقُولُ إنَّهَا وَاحِدَةٌ.
وَقَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ، فَانْظُرُوا فِي قَوْلِي، فَكُلُّ مَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يُوَافِقْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَاتْرُكُوهُ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَجَزَاهُمْ عَنْ نَصِيحَتِهِمْ خَيْرًا، وَلَقَدْ امْتَثَلَ وَصِيَّتَهُمْ وَسَلَكَ سَبِيلَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ.
[الْمُتَعَصِّبُونَ عَكَسُوا الْقَضِيَّةَ]
وَأَمَّا الْمُتَعَصِّبُونَ فَإِنَّهُمْ عَكَسُوا الْقَضِيَّةَ، وَنَظَرُوا فِي السُّنَّةِ فَمَا وَافَقَ أَقْوَالَهُمْ مِنْهَا قَبِلُوهُ، وَمَا خَالَفَهَا تَحَيَّلُوا فِي رَدِّهِ أَوْ رَدِّ دَلَالَتِهِ، وَإِذَا جَاءَ نَظِيرُ ذَلِكَ أَوْ أَضْعَفُ مِنْهُ سَنَدًا وَدَلَالَةً وَكَانَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ قَبِلُوهُ، وَلَمْ يَسْتَجِيزُوا رَدَّهُ، وَاعْتَرَضُوا بِهِ عَلَى مُنَازِعِيهِمْ، وَأَشَاحُوا وَقَرَّرُوا الِاحْتِجَاجَ بِذَلِكَ السَّنَدِ وَدَلَالَتِهِ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ السَّنَدُ بِعَيْنِهِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَدَلَالَتُهُ كَدَلَالَةِ ذَلِكَ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فِي خِلَافِ قَوْلِهِمْ؛ دَفَعُوهُ وَلَمْ يَقْبَلُوهُ، وَسَنَذْكُرُ مِنْ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ طَرَفًا عِنْدَ ذِكْرِ غَائِلَةِ التَّقْلِيدِ وَفَسَادِهِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاتِّبَاعِ.
وَقَالَ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ: ثنا سَحْنُونٌ وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: {إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32] .
وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: دَخَلْت عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسْت، فَرَأَيْتُهُ يَبْكِي، فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا الَّذِي يُبْكِيك؟ فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ قَعْنَبٍ، وَمَالِي لَا أَبْكِي؟ وَمَنْ أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنِّي؟ وَاَللَّهِ لَوَدِدْت أَنِّي ضُرِبْت بِكُلِّ مَسْأَلَةٍ أَفْتَيْت فِيهَا بِالرَّأْيِ سَوْطًا، وَقَدْ كَانَتْ لِي السَّعَةُ فِيمَا قَدْ سُبِقْت إلَيْهِ، وَلَيْتَنِي لَمْ أُفْتِ بِالرَّأْيِ